فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

وقولُه تعالى: {الخبيثات} الخ، كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ على قاعدةِ السنَّةِ الإلهية الجاريةِ فيما بين الخلقِ على موجب أنَّ لله تعالى مَلَكًا يسوقُ الأهلَ إلى الأهلِ أي الخبيثاتُ من النِّساءِ {لِلْخَبِيثِينَ} من الرِّجال أي مختصَّاتٌ بهم لا يكَدْنَ يتجاوزْنَهم إلى غيرِهم على أنَّ اللامَ للاختصاصِ {والخبيثون} أيضًا {للخبيثات} لأنَّ المُجانسةَ من دَوَاعي الانضمامِ {والطيبات} منهنَّ {لِلطَّيّبِينَ} منهم {والطيبون} أيضًا {للطيبات} منهنَّ بحيثُ لا يكادُون يجاوزوهنَّ إلى من عداهنَّ وحيثُ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أطيبَ الأطيبينِ وخيرةَ الأوَّلين والآخرين تبين كونُ الصِّدِّيقةِ رضي الله عنها من أطيب الطَّيباتِ بالضَّرورةِ واتَّضح بطلانُ ما قيل في حقِّها من الخُرافاتِ حسبما نطقَ به قولُه تعالى: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ} على أنَّ الإشارةَ إلى أهلِ البيتِ المنتظِمين للصِّدِّيقةِ انتظامًا أوَّليًّا، وقيل: إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والصِّدِّيقةِ وصفوانَ، وما في اسمِ الإشارةِ من معنى البُعد للإيذان بعلُّوِ رُتبة المشارِ إليهم وبُعد منزلتِهم في الفضلِ أي أولئك الموصُوفون بعلُّوِ الشَّأنِ مُبرَّءون ممَّا تقوَّله أهلُ الإفكِ في حقِّهم من الأكاذيبِ الباطلةِ. وقيل: الخبيثاتُ من القولِ للخبيثينَ من الرِّجالِ والنِّساءِ أي مختصَّة ولائقة بهم لا ينبغي أنْ تُقال في حقِّ غيرِهم وكذا الخبيثون من الفريقين أحِقَّاءُ بأنْ يُقال في حقِّهم خبائثُ القول والطَّيباتُ من الكلم للطَّيبين من الفريقينِ مختصَّةٌ وحقيقة بهم وهم أحِقَّاءُ بأنْ يُقال في شأنهم طيِّباتُ الكلمِ أولئك الطَّيبون مبرَّءون ممَّا يقول الخبيثون في حقِّهم فمآلُه تنزيهُ الصِّدِّيقةِ أيضًا، وقيل: خبيثاتُ القول مختصَّةٌ بالخبيثين من فريقَيْ الرِّجالِ والنِّساءِ لا تصدرُ عن غيرِهم والخبيثون من الفريقينِ مختصُّون بخبائث القولِ متعرِّضُون لها والطَّيباتُ من الكلام للطَّيبين من الفريقينِ أي مختصَّةٌ بهم لا تصدرُ عن غيرِهم والطَّيبون من الفريقينِ مختصُّون بطيِّباتِ الكلامِ لا يصدرُ عنهم غيرُها أولئك الطَّيبون مبرَّءون ممَّا يقولُه الخبيثون من الخبائثِ أي لا يصدرُ عنهم مثلُ ذلك فمآلُه تنزيهُ القائلينِ سبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمةٌ لما لا يخلُو عنه البشرُ من الذُّنوب {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} هو الجنَّةُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{الخبيثات} إلخ كلام مستأنف مؤسس على السنة الجارية فيما بين الخلق على موجب أن لله تعالى ملكًا يسوق الأهل إلى الأهل، وقول القائل:
إن الطيور على أشباهها تقع

أي الخبيثات من النساء {لِلْخَبِيثِينَ} من الرجال أي مختصات بهم لا يتجاوزنهم إلى غيرهم على أن اللام للاختصاص {والخبيثون} أيضًا {للخبيثات} لأن المجانسة من دواعي الانضمام {والطيبات} منهن {لِلطَّيّبِينَ} منهم {والطيبون} أيضًا {للطيبات} منهن بحيث لا يتجاوزونهن إلى من عداهن وحيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الأطيبين وخيرة الأولين والآخرين تبين كون الصديقة رضي الله تعالى عنها من أطيب الطيبات بالضرورة واتضح بطلان ماق يل فيها من الخرافات حسبما نطق به قوله سبحانه: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ} على أن الإشارة إلى أهل البيت النبوي رجالًا ونساءً ويدخل في ذلك الصديقة رضي الله تعالى عنها دخولًا أوليًا، وقيل: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديقة وصفوان، وقال الفراء: إشارة إلى الصديقة، وصفوان والجمع يطلق على ما زاد على الواحد.
وفي الآية على جميع الأقوال تغليب أو أولئك منزهون مما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة.
وجعل الموصوف للصفات المذكورة النساء والرجال حسبما سمعت رواه الطبراني عن ابن عباس ضمن خبر طويل.
ورواه الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما، واختاره أبو مسلم والجبائي وجماعة وهو الأظهر عندي.
وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس أخرجها الطبراني أيضًا.
وابن مردويه وغيرهما أن {الخبيثات والطيبات} صفتان للكلم {والخبيثون والطيبون} صفتان للخبيثين من الناس وروي ذلك عن الضحاك والحسن، و{الخبيثون} عليه شامل للرجال والنساء على سبيل التغليب وكذا {الطيبون} و{بآياتنا أولئك} إشارة إلى الطيبين وضمير {يَقُولُونَ} للخبيثين، وقيل للآفكين أي الخبيثات من الكلم للخبيثين من الرجال والنساء أي مختصة ولائقة بهم لا ينبغي أن تقال في حق غيرهم وكذا الخبيثون من الفريقين أحقاء بأن يقال في حقهم خبائث الكلم والطيبات من الكلم للطيبين من الفريقين مختصة وحقيقة بهم وهم أحقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم أولئك الطيبون مبرؤن عن الاتصاف مما يقول الخبيثون وقيل الآفكون في حقهم فمآله تنزيه الصديقة رضي الله تعالى عنها أيضًا.
وقيل: المراد الخبيثات من القول مختصة بالخبيثين من فريقي الرجال والنساء لا تصدر عن غيرهم والخبيثون من الفريقين مختصون بالخبيثات من القول متعرضون لها والطيبات من القول للطيبين من الفريقين أي مختصة بهم لا تصدر عن غيرهم والطيبون من الفريقين مختصون بالطيبات من القول لا يصدر عنهم غيرها أولئك الطيبون مبرؤن مما يقول الخبيثون أي لا يصدر عنهم مثل ذلك، وروي ذلك عن مجاهد، والكلام عليه على حذف مضاف إلى ما؛ ومآله الحط على الآفكين وتنزيه القائلين سبحانك هذا بهتان عظيم {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمة لما لا يخلو البشر عنه من الذنب، وحسنات الأبرار سيئات المقربين {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} هو الجنة كما قاله أكثر المفسرين، ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 13] فإن المراد به ثمت الجنة بقرينة {أَعْتَدْنَا} والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وفي هذه الآيات من الدلالة على فضل الصديقة ما فيها، ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وهو دال على فضلها أيضًا، وكانت رضي الله تعالى عنها تتحدث بنعمة الله تعالى عليها بنزول ذلك في شأنها.
فقد أخرج ابن أبي شيبة عنها أنها قالت: خلال في لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله تعالى مريم ابنة عمران والله ما أقول هذا إني أفتخر على صواحباتي قيل: وما هن؟ قالت: نزل الملك بصورتي وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين وأهديت له لتسع سنين وتزوجني بكرًا لم يشركه في أحد من الناس وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد وكنت من أحب الناس إليه ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ورأيت جبريل عليه السلام ولم يره أحد من نسائه غيري وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك وأنا.
وأخرج ابن مردويه عنها أنها قالت: لقد نزل عذرى من السماء ولقد خلقت طيبة عند طيب ولقد وعدت مغفرة وأجرًا عظيمًا، وفي قوله سبحانه: {لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} بناءً على شموله عائشة رضي الله تعالى عنها رد على الرافضة القائلين بكفرها وموتها على ذلك وحاشاها لقصة وقعة الجمل مع أشياء افتروها ونسبوها إليها، ومما يرد زعم ذلك أيضًا قول عمار بن ياسر في خطبته حين بعثه الأمير كرّم الله تعالى وجهه مع الحسن رضي الله تعالى عنه يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة: إني لأعلم أنها زوجة نبيكم عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة ولكن الله تعالى ابتلاكم ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها، ومما يقضي منه العجب ما رأيته في بعض كتب الشيعة من أنها خرجت من أمهات المؤمنين بعد تلك الوقعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأمير كرم الله تعالى وجهه: قد أذنت لك أن تخرج بعد وفاتي من الزوجية من شئت من أزواجي فأخرجها كرم الله تعالى وجهه من ذلك لما صدر منها معه ما صدر، ولعمري إنّ هذا مما يكاد يضحك الثكلى، وفي حسن معاملة الأمير كرم الله تعالى وجهه إياها رضي الله تعالى عنها بعد استيلائه على العسكر الذي صحبها الثابت عند الفريقين ما يكذب ذلك، ونحن لا نشك في فضلها رضي الله تعالى عنها لهذه الآيات ولما جاء في مدحها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن من ذلك سوى ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» لكني مع هذا لا أقول بأنها أفضل من بضعته صلى الله عليه وسلم الكريمة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها والوجه لا يخفى، وفي هذا المقام أبحاث تطلب من محلها، ثم إن الذي أراه أن إنزال هذه الآيات في أمرها لمزيد الاعتناء بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام ولجبر قلب صاحبه الصديق رضي الله تعالى عنه وكذا قلب زوجته أم رومان فقد اعتراهما من ذلك الإفك ما الله تعالى أعلم به.
ولمزيد انقطاع عائشة رضي الله تعالى عنها إليه عز وجل مع فضلها وطهارتها في نفسها، وقد جاء في خبر غريب ذكره ابن النجار في تاريخ بغداد بسنده عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى قال: كنت جالسًا عند أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لأقر عينها بالبراءة وهي تبكي فقالت: هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة وما عرض عليّ طعام ولا شراب فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة فرأيت في منامي فتى فقال لي: مالك؟ فقلت: حزينة مما ذكر الناس فقال: ادعى بهذه الدعوات يفرج الله تعالى عنك فقلت: وما هي؟ فقال قولي يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغمم ويا كاشف الظلم يا أعدل من حكم يا حسب من ظلم يا ولي من ظلم يا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية يا من له اسم بلا كنية اللهم اجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا قالت: فانتبهت أنا ريانة شبعانة وقد أنزل الله تعالى فرجي، ويسمى هذا الدعاء دعاء الفرج فليحفظ وليستعمل، ثم إنه عز وجل إثر ما فصل الزواجر عن الزنا وعن رمي العفائف عنه شرع في تفصيل الزواجر عما عسى يؤدي إلى أحدهما من مخالطة الرجال بالنساء ودخولهم عليهن في أوقات الخلوات وتعليم الآداب الجميلة والأفاعيل المرضية المستتبعة لسعادة الدارين. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{الْخَبِيثَاتُ} من النساء أي الزواني: {لِلْخَبِيثِينَ} من الرجال أي الزناة كابن أبيّ المنافق تكون له امرأة زانية أي مختصات بهم لا يكدن يتجاوزنهم إلى غيرهم لأنملكًا يسوق الأهل إلى الأهل ويجمع الأشكال بعضًا إلى بعض على أن اللام للاختصاص {وَالْخَبِيثُونَ} أيضًا: {لِلْخَبِيثَاتِ} لأن المجانسة من دواعي الانضمام {وَالطَّيِّبَاتُ} منهن أي العفائف {لِلطَّيِّبِينَ} منهم أي العفيفين {وَالطَّيِّبُونَ} أيضًا {لِلطَّيِّبَاتِ} منهن بحيث لا يكادون يجاوزونهن إلى من عداهن وحيث كان رسول الله عليه السلام اطيب الاطيبين وخيرة الأولين والآخرين تبين كون الصديقة من أطيب الطيبات بالضرورة واتضح بطلان ما قيل في حقها من الخرافات حسبما نطق به قوله تعالى: {أولئك} الموصوفون بعلو الشان يعني أهل البيت.
وقال في الأسئلة المقحمة: آية الإفك نزلت في عائشة وصفوان فكيف ذكرها بلفظ الجمع والجواب: لأن الشين وعار الزنى والمعرة بسببه تتعدى إلى الرسول لأنه زوجها وإلى أبي بكر الصديق لأنه أبوها وإلى عامة المسلمين لأنها أمهم فذكر الكل بلفظ الجمع.